الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

في إنصاف المناصير ـ فيصل محمد صالح

عمود افق بعيد ـ جريدة الاخبار

2 /3/ 2009

لا أعلم بالضبط أين وصلت قضية المناصير مع إدارة سد مروي، لكن ما تم إعلانه خلال زيارة رئيس الجمهورية للمنطقة ثم خلال لقاء وفد المناصير مع الرئيس ببيت الضيافة يبشر بأن الأزمة الأساسية في طريقها للحل، وفي هذا خير.


كل المشاريع الضخمة لها آثار وتبعات كبيرة، ولها تأثيراتها الإنسانية والاجتماعية والبيئية، ولا يكتمل نجاح مثل هذه المشاريع إلا بسياسات تعالج كل هذه الأبعاد بروح التنمية الإنسانية التي صارت بديلا لما يعرف بالتنمية المتوحشة التي تفتقد الطابع الإنساني. الهدف النهائي للتنمية هو الإنسان، والسكان المحليون لأي منطقة يقام فيها مشروع تنموي كبير يجب أن يكونوا أول الذين يتم استشارتهم ومشاركتهم وأول المستفيدين.

ولو استخدمنا المنطق البسيط فإن أهلنا في ولايتي نهر النيل والشمالية يعانون مثل غيرهم من سكان السودان إهمال الحكومات وتدني الخدمات وغياب البنيات الأساسية، فهل من المعقول والمقبول أن يرفضوا مشاريع لتنمبة المنطقة سيكونون هم من المستفيدين منها ؟

لم يعترض المناصير على قيام السد، ولم تكن هذه قضيتهم، وإنما انحصر الخلاف في النهاية على موضوع التوطين، اختارت إدارة السد مواقع معينة رفضتها معظم لجان المناصير، واختارت مناطق أخرى قريبة من مكان التهجير أطلق عليها مسمى "الخيار المحلي"، ولهم في ذلك منطق مقنع ومتماسك، ليس فقط لأنه أقنعني، ولكنه أقنع أيضا مسؤولين كبار في الدولة وقيادات من المؤتمر الوطني وولاة سابقين في ولايتي نهر النيل والشمالية.

ومثلما تملك إدارة السد معلومات ودراسات وإحصائيات وأرقام، فإن المتضررين من قيام السد يملكون، عبر لجانهم المختلفة، معلومات واحصائيات وأرقام مضادة توضح إمكانية وصلاحية الخيار المحلي. والأهم من ذلك إنهم توحدوا حول هذا الخيار وأجمعوا عليه بمختلف كياناتهم وانتماءاتهم.

وفي زيارة رئيس الجمهورية الأخيرة لمنطقة المناصير أعلن الرئيس بوضوح أن الدولة ستلتزم بكل خيارات المناصير وستعين من أراد البقاء بالخيار المحلي. هذا الإعلان، وحده، يمكن أن يمثل مرحلة جديدة في ملف التعامل مع مشكلة المناصير، لأنه نقل هذا التفاهم من كونه التزام ولائي إلى التزام اتحادي مركزي ومن أعلى سلطة تنفيذية بالبلد.

وحينما تحتفل البلاد غدا بإعلان الافتتاح الرسمي لسد مروي، فإن المناسبة هي المنبر المناسب أيضا لإعلان الدولة ووحدة تنفيذ السدود التزامها بقرار رئيس الجمهورية بقبول الخيار المحلي ضمن مشاريع التوطين وتخصيص الميزانية المناسبة له. لو تم ذلك فإنه سيكون بمثابة احتفال مكتمل الأركان المادية والمعنوية.

والأهم من كذلك هو أن يصير نهج التنمية الإنسانية القائمة على أساس إشراك السكان المحليين في شؤون وخيارات المشاريع الكبرى، وجعلهم الأكثر استفادة من المشروع، هو نهج الدولة وديدنها في كل المشاريع الكبرى المقترحة، من كجبار إلى الشريك إلى سكر النيل الأبيض.

لا تصدقوا أن أي مجموعة سكانية في السودان يمكن أن ترفض ترقية حياتها وتنمية منطقتها، خاصة وأن معظم سكان بلادنا يعيشون في خط الفقر وتحته، لكن السؤال كيف وأين ومتى تقام المشاريع وتطرح السياسات.

أجعلوا من افتتاح السد يوما لمصالحة الدولة مع مواطنيها، ويوما وطنيا لاعتماد الخيارات المحلية في كل المشاريع الكبرى.

المصدر:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق