الأربعاء، 25 أغسطس 2010

د. عبدالوهاب الأفندي ـ احتفال سريالي بكارثة بالسد

11 أبريل 2010

(1)
احتفلت الحكومة السودانية، أو إن شئنا الدقة، المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان، أمس بما وصف بأنه اكتمال مشروع كهرباء سد مروي بادخال توربينات السد العشر في الشبكة القومية للكهرباء. ولا يستطيع المرء إلا أن يلاجظ أن هذا الاحتفال وقت له قبل يومين فقط من الانتخابات العامة المقرر لها الأحد المقبل، لغرض لا يخفى.
(2)
كالعادة فإن مسؤولي الدعاية في المؤتمر الوطني لم يحالفهم التوفيق، لأن هذا الأسبوع شهد انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي عن مناطق عدة في العاصمة ولساعات طويلة، وهي تطورات يصعب تفسيرها في ظل كل هذا الاحتفاء بما وصف أنه مضاعفة للتيار الكهربائي المتوفر. فنحن في حاجة إلى عباقرة رياضيات ليحلوا لنا معادلة نقص الإمدادات الكهربائية بعد صرف بلايين الدولارات على مشروع كهربائي كبير (ومبالغ مقاربة على الدعاية له).

(3)
هناك قضية أهم، وهي أن هذا الاحتفال يقام على بعد أميال قليلة من مقام عشرات الآلاف من المتضررين بالسد، يعيش معظمهم في أكواخ من القش، ويفتقدون أبسط الخدمات بعد أن غرقت المدارس والمراكز الصحية مع المساكن والمزارع والبساتين.

(4)
مر عامان منذ أن غمرت المياه كل مصادر رزق أهل المنطقة وتركت فقيرهم وغنيهم بلا مصدر دخل، وما زال المواطنون ينتظرون التعويض مقابل ما ضاع. ومر أكثر من عام منذ زار رئيس الجمهورية المنطقة ورأى بأم عينه الكارثة وأمر بمساعدات عاجلة للمتضررين والإسراع بصرف التعويضات لهم وإكمال مشاريع القرى البديلة حول البحيرة. ولكن حتى الآن لم تصل معونات عاجلة أو آجلة، ولم تصرف تعويضات ولم تكتمل أي مشاريع.

(5)
هناك قناعة متزايدة لدى المتضررين بأن الحكومة لم تكن جادة في عروضها، وأن الغرض كان إضاعة الوقت وإجبار السكان عبر التجويع والحصار لمغادرة أرضهم حتى تستولي عليها الحكومة عبر إدارة السد. ويؤكد هذا أن قضية تأخير التعويضات لا تتعلق بنقص الموارد لدى الجهات المختصة، لأن التعويضات تصرف لكل من يقبل مغادرة أرضه. إضافة إلى ذلك فإن السلطات تمنع منظمات الإغاثة والإعلام من الوصول إلى المنطقة، مما يؤكد أن القصد هو العقاب والحرمان المتعمد.

(6)
يمكن اعتبار مأساة السد أفضل تلخيص لعهد الإنقاذ ونهجه: فهنا نجد آية من آيات الفساد الإداري، بدءاً من منح إقطاعية إدارية لفرد تبسط عليه الحماية من أعلى قمة هرم السلطة، في مخالفة لكل لوائج الدولة نفسها وقوانينها، بدءاً من اتفاق نيفاشا، مرورواً بالقوانين التي حددت سلطات واختصاصات وزارات مثل الرى والطاقة والإدارة المركزية والولايات. وقد تراكمت على هذه المؤسسة قروض ضخمة لا علاقة لها بدخلها المتوقع، وتم الصرف من هده الموارد بتبذير إخوان الشياطين على الدعاية والعلاقات العامة بمافي ذلك احتفال الأمس. وتم خلال هذه الفترة استخدام الغش والخداع والأساليب الارهابية التي وصلت حد القتل.

(7)
أدخلت كل هذه الممارسات منطقة السد في ما يشبه حالة الحرب، وجعلت كل سكان المنطقة والمناطق المجاورة في أرض النوبة ومنطقة الرباطاب وبربر ينتفضون ضذ أي مسعى لبناء سدود في مناطقهم لأنه لا أحد يقبل أن يصيبه ما أصاب أهل المناصير من حيف وظلم.

(8)
الطريف أن المناطق التي دخلت الحكومة في حرب معها هي المناطق المفترض أن تكون عقر دار المؤتمر الوطني وقلب مثلث حمدي المزعوم. وقد أخبرني باحث غربي زار مناطق جنوب النيل الأزرق أن المتضررين من تعلية خزان الروصيرص أخبروه أنهم يريدون تعويضاً يعادل ما حصل عليه متضررو سد مروي. ولما سألهم من أين علموا بقيمة ما حصل عليه أولئك، ، أجابوا بأن من البديهيات أن يكون أولئك حصلوا على تعويض مجز كونهم من أهل الشمال! وهذا إحسان ظن –أو إساءته- في غير موضعه.

(9)
إن حزباً يرى في هذا المزيج من الفساد والنهب والإرهاب والتلاعب المحاسبي الذي يذكر بممارسات شركة إنرون الأمريكية سيئة الذكر، إنجازاً يحتفل به، لا يستحق أن يكون مسؤولاً عن البلد ولا عن أي جزء منها، حتى لو لم يكن قد جلب على البلاد كوارث أخرى من دارفور إلى كجبار. ذلك أنه حتى لو كان بناء السد إنجازاً لا تشوبه شائبة، لكان استغلال أموال الدولة والشعب في دعاية حزبية كهذه خيانة للأمانة تستحق عاجل العقوبة وآجلها. أما والاحتفال يتم بالقرب من أكواخ المحرومين، فإن الأمر يذكر بالامبراطور الذي يتبختر عارياً على الملأ وهو يظن غفلة وحمقاً أنه يخطر في الديباج ونفيس الحلي.

(10)

إن التمادي في هذا المسلك عشية الانتخابات يرسل رسالة عكسية إلى الناخبين قد تدفعهم إلى معاقبة مرشحي المؤتمر الوطني، خاصة الفئة التي تولت كبر هذا الظلم، مثل والي الولاية ومدير المخابرات السابق وكل من له علاقة بالسد. وستكون هذه عقوبة مستحقة لحزب أصابه العمى والصمم وغلظة القلب.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق