الأربعاء، 25 أغسطس 2010

الرشيد طه الافندى: المؤتمر الوطني والمناصير.. جرد حساب

تعانى منطقة المناصير التهميش منذ عهد الاستعمار الذي أراد الانتقام والتشفي من أهلها الذين وقفوا في وجه وتصدوا له في أكثر من معركة وقتلوا ثلاثة من اكبر جنرالاته لذلك عمد إلى حرمان المنطقة من الخدمات والتعليم والتواصل. المنفذ الوحيد الذي يربط المنطقة مع بقية العالم كانت السكة حديد التي مرت من هناك اضطرارا لحوجة قطارات البخار في ذلك الوقت للماء الموجود في محطة الكاب (المناصير) ثم واصلت طريقها بعد ذلك في الصحراء مبتعدة عن بقية المنطقة إلى كريمة.

وظلت المنطقة تعانى في كل عهود الحكومات الوطنية المتعاقبة بعد الاستعمار حتى الآن. وكل ما تم في المنطقة من تنمية وخدمات وغيرها تم بالجهد الذاتي للمواطنين، الطرق الترابية (لا توجد طرق معبدة) تم شقها ومعرفتها بجهود شخصية لسائقين مهرة، المدارس والمراكز الصحية شيدت بضراع وعرق المواطنين، صهاريج المياه وابورات الكهرباء بالاشتراكات والاجتهادات في القرى والحلال كل ما قام في المنطقة تم بجهد المواطنين الخالص وليس لاى حكومة سابقة أو حالية سهم فيه أو عود، ورغما عن التهميش والظلم الذي تعرضت له المنطقة لم تتوانى أو تتقاعس في أداء الواجب وضريبة الوطن في كل الميادين بل كانت السباقة في كل مجال

قد يتساءل احدهم وما علاقة المؤتمر الوطني بهذا والمنطقة تعانى التهميش والإهمال والظلم من الاستعمار والحكومات الوطنية كما ذكرت ؛ مهلا فان المؤتمر الوطني الحاكم الفعلي المالك زمام الأمور في الدولة هو الوحيد من بين كل تلك الجهات الذي حاول بشتى السبل إخراج المناصير من أراضيهم وأملاكهم ؛المؤتمر الوطني هو الوحيد الذي دمر المنطقة غرقا بكل مساكنها وقراها ومؤسساتها الخدمية مزارعها وأراضيها كل شئ بدون تعويض أو حتى كلمة طيبة، ما فعله المؤتمر الوطني في المناصير لم يفعله حتى الاستعمار ولم تفعله اى حكومة سابقة، وعندما أقول المؤتمر الوطني فاننى أعنى ذلك وبصورة مباشرة والأمر لا يحتاج لكثير عناء لإثبات أن المؤتمر الوطني هو المسئول الأول والوحيد المتسبب في كل ما جرى ويجرى للمناصير فخلاف انه الحزب الحاكم والمسيطر فقد كان هو من خلق الأزمة وفجر القضية، وهو من سعى للخداع والتسويف بالاتفاقيات واحدة وراء الأخرى، بمبادرات من أعضاء داخل الحزب بصفتهم الحزبية، نعم خلق الأزمة والفتنة بواسطة كبار المسئولين ومارس التخدير والتسويف بواسطة آخرين من ذات الحزب. مسئولين في وحدة تنفيذ السدود فجروا القضية برفضهم الاعتراف بخيارات المتأثرين مع الاستفزاز المتعمد للمواطنين وأساليب الإغراء والتهديد؛ قيادات كبيرة ونافذة في الحزب لعبت دور التخدير بتوقيع الاتفاقيات التي ما برحت الأدراج. في الاتفاقية الأولى مع المؤتمر الوطني (لجنة الطيب محمد خير) تم الاتفاق والتامين على كل نقاط الخلاف على رأسها إعادة توطين غالبية المناصير في أراضيهم حول البحيرة وبعد مرور عام كامل من الاتفاقية الأولى التي لم تنفذ جاءت الثانية مع المؤتمر الوطني أيضا (لجنة إبراهيم أحمد عمر) التي أمنت على ما جاء في الاتفاقية الأولى مع إضافة استبيان لمعرفة عدد الراغبين في الخيار المحلى حول البحيرة وقام الجهاز المركزي للإحصاء بعمل الاستبيان الذي جاءت نتيجته رغبة أكثر من سبعين في المائة من المتأثرين في الخيار المحلى بعدها أيضا لم يحدث جديد وظلت الأمور كما هي ثم جاء المؤتمر الوطني بولاية نهر النيل عارضا خدماته وقدرته على تنفيذ كل ما اتفق عليه مقابل الانضمام له وضرب المناصير أخماس في أسداس ووافقوا على الانضمام للمؤتمر الوطني ما دام إن ذلك يحقق لهم مطالبهم وخيار أهلهم ولكن لا حياة لمن تنادى نفس المماطلة والتسويف إلى أن غمرت مياه السد كل المنطقة في 25-7-2008؛ بعدها لم يتوارى المسئولين عن الأنظار فحسب بل منعوا حتى وسائل الإعلام المحلية والعالمية من الدخول إلى المنطقة لعكس حجم الكارثة كما منعت المنظمات الإنسانية من الدخول إلى المنطقة لمعرفة أوضاع المتأثرين وتقديم المعونات الضرورية لهم. وكان هذا فيما يبدو مقصودا وعقابا للمناصير الذين رفضوا الهجرة من أراضيهم إلى المشاريع الصحراوية التي أعدتها إدارة السد ويا له من عقاب في دولة المشروع الحضاري وبعد مرور عام كامل من الغمر الذي دمر المنطقة تماما جاءت زيارة السيد رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني نفسه الذي طاف بمروحية على المنطقة المنكوبة ورأى عزيمة وإصرار المناصير على البقاء فوق أراضيهم رغم الحالة البائسة والسكن في الرواكيب والخيام يتوسدون الأرض ويلتحفون السماء، رأى ذلك ووجه والى ولاية نهر النيل السابق احمد المجذوب بتقديم الخدمات ومشاريع التنمية والتعويضات لهم مع قراره بحريتهم في البقاء حول البحيرة وتبرع بأربعة مليار لمقابلة الظروف الطارئة و قابل المناصير قرارات الرئيس بالارتياح وهتفوا بطول حياته، ولكن بعد مرور أكثر من عام على زيارة الرئيس وأكثر من عامين منذ أن غمرت مياه السد المنطقة ما زال المناصير يطاردون حقوقهم وتعويضاتهم وينتظرون تقديم الخدمات الضرورية. ما كان الأمر يستدعى كل هذه الحيل واللف والدوران ولكنهم استهانوا بقدرات المناصير ولم يقدروهم التقدير الصحيح ولم يحترموا مقامهم للتفاوض معهم حول الممكن واللا ممكن في منطقتهم وأراضيهم لذلك اختاروا الطريق الخطأ وفقدوا كل شئ بعد أن كانوا يريدون كل شئ.

الجمعة 2 أبريل 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق