الأربعاء، 25 أغسطس 2010

سد مروي السوداني ـ مشروع تنموي طموح أم كارثة على السكان المحليين؟

الاذاعة الالمانية ـ دويتشه فيله ـ 20 مايو 2010

تقدم ناشط سوداني بدعوى قضائية ضد شركة ألمانية تولت التخطيط ومراقبة تنفيذ بناء سد مروي في شمال السودان، متهما إياها بانتهاك حقوق السكان والتسبب في تهجيرهم قسرا، فيما تنفي الشركة الألمانية الاتهامات الموجهة إليها.

تشدد السلطات السودانية الحراسة على المناطق المحيطة بسد مروي الذي يقع في شمال البلاد على بعد نحو 350 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، كما يمنع دخول الصحفيين ووسائل الإعلام إلى المنطقة. وكل من يحاول الدخول إلى المنطقة أو الاحتجاج ضد مشروع هذه السد أو ضد ما يقال انه تهجير قسري للسكان، يتعرض لمضايقات من قبل أجهزة الأمن. وأحيانا ما كانت المظاهرات السلمية تنتهي باعتقال متظاهرين أو حتى بتعرض أحدهم إلى الإصابة بأعيرة نارية من قبل رجال الأمن. لكن ذلك لم يكسر من عزيمة الكثير من المحتجين، فهناك من أصر على مواصلة الاحتجاج، على غرار علي عسكوري، الذي وعلى الرغم من أنه يعيش في لندن، إلا أنه حرص على زيارة أهله وأقاربه في شمال السودان، حيث تضرروا من إنشاء سد مروي، بصفة منتظمة.

سد مروي "كارثة" على السكان
ويصف علي عسكوري مشروع سد مروي بـ"الكارثة"، بحيث يقول: "لقد ضاعت المزارع والمحاصيل الزراعية، كما فقد السكان حيواناتهم ومنازلهم". ويلفت إلى أن السد "تسبب في إغراق قرى بأسرها وفي فصل وتشتيت عائلات، لأن بعضها يريد الرحيل والبعض الآخر يفضل البقاء". ويقول عسكوري إن عائلته قد عاشت المصير نفسه، ذلك أن جزءا من العائلة ظل في نفس المنطقة، حيث انتقل للعيش في أراضي أخرى لم تغرق. فيما اضطر الجزء الآخر إلى الرحيل إلى مناطق غير خصبة، حصلوا عليها كتعويض عن أراضيهم التي فقدوها بسبب مشروع سد مروي. وتعد مناطق الحامداب وأمرى والمناصير في شمال السودان الأكثر تضررا من إنشاء السد.

ولأن عسكوري يعجز عن الاحتجاج ضد الحكومة السودانية، فقد رفع - وبمساندة من منظمة حقوقية دولية- دعوى قضائية ضد موظفين رفيعي المستوى في الشركة الألمانية لاماير Lahmeyer المكلفة بالتخطيط ومراقبة أشغال بناء سد مروي. وقدمت الدعوى إلى المدعي العام في مدينة فرانكفورت الألمانية، الذي مازال يبحث في أمر قبول الدعوة من عدمه.

"ضرورة إشراك السكان"
ويتهم حقوقيون الشركة الألمانية، التي أغرقت منطقتين وراء السد خلال عامي 2006 و2008، بأنها توانت عن إعلام سكان المنطقتين المتضررتين بعملية الإغراق، وأن الناس فوجئوا بالأمر وأنهم اضطروا إلى الفرار وأن الكثير فقدوا كل ما يملكونه.

يشار أن إلى سد مروي، الذي بدأت في بنائه شركة صينية منذ عام 2003، فيما تمد شركة فرنسية التوربينات والمولدات، تصفه الحكومة السودانية بأنه أكبر مشروع تنموي في البلاد وأنه "سيكون أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية في إفريقيا". كما تعلق عليه آمالا كبيرة في دفع العجلة التنموية في البلاد.

غير أن الانتقادات توالت في السنوات الأخيرة بأن أكبر خزان للمياه على نهر النيل قد تسبب في التهجير القسري لآلاف السكان من المناطق المحيطة به وفي اندثار قرى بأسرها.

من جهته، يؤكد أولريش ديليوس من المؤسسة الألمانية للشعوب المهددة "ضرورة إشراك السكان في مثل هذه المشاريع الكبيرة والتي لها تأثير مباشر على حياتهم." ويقول أنه لم يتم إشراك السكان في شمال السودان في هذا المشروع، لافتا إلى أن "90 بالمائة منهم قد خرجوا في تظاهرات احتجاجية تم إخمادها بقوة السلاح وبالإجراءات القمعية كالاعتقال."

الشركة ترفض الحديث لدويتشه فيله
أما شركة لاماير الألمانية فقد نفت كل الاتهامات الموجهة لها، لكنها رفضت إجراء حوار مع دويتشه فيله رغم أنها كانت قد أعطت موافقتها سابقا. وإلى جانب شركة لاماير، شاركت جامعة إينسبروك النمساوية في عملية التخطيط لسد مروي، من خلال القيام بدراسات خاصة. بيتر روتشمان كان يدير المعهد التابع للجامعة النمساوية والمكلف بالقيام بالدراسات قبل أن ينتقل للعمل في جامعة ميونخ الألمانية. ويؤكد روتشمان أن التحقيق في مدى تأثير المشروع على السكان لم تكن مهمة منوطة بعهدته بل بعهدة الجهة الممولة للمشروع. ويضيف في هذا السياق قائلا: "لم يكن من مهماتنا دراسة الأمر"، لافتا إلى أن إحدى الجهات الممولة للمشروع وهي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، قد وضعت شروطا واضحة تماثل إلى درجة كبيرة الشروط التي يضعها البنك الدولي، "غير أن تنفيذ هذه الشروط هو أمر آخر"، في إشارة إلى مدى مراعاة حقوق السكان من عدمه.

مشاريع أخرى تحت دائرة الاتهام
وما يثير غضب علي عسكوري أن الحكومة السودانية تخطط لبناء سدود أخرى، على الرغم من أنها كانت أكدت من قبل أن سد مروي من شأنه أن يغطي حاجيات البلاد من الطاقة الكهربائية. وبالتالي فإن التهجير القسري قد يهدد 175 ألف شخص إضافي كما يقول المنتقدون. وحيث انه من المنتظر أن تشارك الشركة الألمانية لاماير على الأقل في أحد المشاريع المقبلة، فإن عسكوري يصف هذا الأمر بالقول: "إذا كانت هذه الشركة تصر على المشاركة في مشروع آخر، فهذا يعني بأنها لا تحترم حقوق الإنسان". ويتساءل "كيف يمكنها المشاركة في مشروع آخر تحت نفس الحكومة وبنفس المسؤولين الذين لا يعيرون اهتماما لحقوق الإنسان؟". ويؤكد أن "شركة لاماير والعالم كله يعرف موقف الحكومة السودانية إزاء حقوق الإنسان". لا أحد يشك في أن مشروعا كبيرا على غرار مشروع سد مروى لتوليد الطاقة الكهربائية من شأنه أن يساهم في تنمية البلاد ومكافحة الفقر، لكن الذين رفعوا الدعوى القضائية يأملون مستقبلا في ضرورة أن تأخذ الشركات الأجنبية حقوق السكان بعين الاعتبار وأن يتم مقاضاتها في حال تقاعست عن ذلك.

الكاتب: آدريان كريش / شمس العياري
مراجعة: عبده جميل المخلافي

المصدر:
http://www.dw-world.de/dw/article/0,,5585893,00.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق