السبت، 28 أغسطس 2010

المناصير و التهميش

كتبها ود البلد، في 19 مايو 2008 الساعة: 08:15 ص

الولاية الشمالية ، لقد طرحت خيارات عدة من بينها إقامة ثلاثة سدود صغيرة أو إقامة سد واحد كبير حيث استقر الرأي مؤخراً علي إقامة سد واحد في الموقع الحالي .

رغماً أن الأدب الشعبي في المنطقة المتأثرة قد شكك دائماً في قيام خزان الحامداب وأعتبره أسطورة من الأساطير وذلك في أشعارهم وأهازيجهم حيث أيد من أيد قيامه وعارض من عارض إلا أن خزان الحامداب قد اصبح حقيقة ماثلة نالت مباركة المتأثرين به علي أمل أن ينالوا حقوقهم كاملة غير منقوصة .

أن تعنت وحدة السدود وتراخي الحكومة الاتحادية وحكومة ولاية نهر النيل في تنفيذ اتفاقاتها مع المتأثرين ، بل والسماح لإدارة سد مروي بالتدخل رغم نقل الملف منها جعل القضية تراوح مكانها وتدخل بين فترة وأخرى منطقة التأزم بل قد تدخل مراحل أكثر خطورة اذا ما أستمرت وحدة السدود في ممارساتها الماثلة الآن .

هيمنة وحدة السدود علي إتخاذ القرار وتهميش المتأثرين :

إن رفض وحدة تنفيذ السدود الاعتراف بمؤسسات المتأثرين المنتخبة ومنذ الوهلة الأولى في منتصف العام 2004م وبدعم صريح من ولاة ولاية نهر النيل بإيعاز وتحريض منها ودعم خفي من الحكومة الاتحادية أيضاً قد حال دون الوصول الي حلول مبكرة لقضية المناصير المتأثرين بقيام سد مروي رغم مباركتهم لقيام ذلك المشروع القومي .

كان واضحاً ومنذ البداية عدم رضاء إدارة سد مروي من ذهاب اللجنة السابقة الموالية لها وأن في ظهور اللجنة الجديدة في الساحة خطر يتهدد أجندتها الخاصة والتي تتمحور أساساً حول إبعاد وتهميش المتأثرين والدفع بهم بعيداً عن منطقة التشاور وإتخاذ القرار ليفرضوا في نهاية المطاف ما يحلو لهم من قرارات كأمر واقع علي المتأثرين .

فرضت إدارة سد مروي ، يعاونها في ذلك ولاية نهر النيل ، منطقة الحصاية بالدامر بديلاً لوادي المكابراب وهو ما صدر فيه قرار جمهوري لإعادة توطين المناصير ، ذلك بحجة مرفوضة وهي خطأ مصـاحب للقرار الجمهوري وإحداثياته ، وبالطبع شتان ما بين المنطقتين من حيث خصوبة التربة .

أشرفت إدارة سد مروي علي ما يسمى بمشروع المكابراب تخطيطاً وتنفيذاً بمعزل عن لجنة المتأثرين ودون الأخذ بنصيحتها المكتوبة بأن توقف العمل بالمشروع حتى تستبين ماهية عدد الأسر الحقيقي الذي يود إعادة التوطين في المشروع ، نتج عن ذلك بناء اعداد كبيرة من المنازل يفوق بكثير ما كان يفترض أن يبنى .

رفضت إدارة سد مروي وبإصرار غير مسبوق وبشتى السبل المباشرة وغير المباشرة قيام الخيارات المحلية حول البحيرة بحجج فنية داحضة أثبتتها دراسة أولية لبيت الخبرة السوداني ” يام” بقيادة عالم الري الدولي وأحد وزراء الري السابقين الأستاذ / يحي عبد المجيد مع كوكبة من العلماء والباحثين .

أما عن حججهم بإرتفاع تكلفة تشغيل تلك المشاريع فلا يسأل عنها المتأثرون رغماً عن أن تلك التكلفة غير مقنعة وأن وسائل التقنية الحديثة وما جد من أساليب للري كفيلة بمعالجة أي صعوبات تواجه تلك المشاريع .

فرضت إدارة سد مروي مشروع الفداء علي المتأثرين رغم رفضهم له كتابة وتوصية سابقة من لجنة رسمية لوزارة الزراعة الاتحادية في أوائل التسعينات بعدم صلاحية هذا المشروع لإعادة توطين المتأثرين ، يضاف الي ذلك عدم إكتراث وحدة السدود لإتفاقها مع ولاية نهر النيل بعدم تنفيذ مشروع الفداء حتى البداية الفعلية في تنفيذ الخيارات المحلية .

كل ما ذكر أعلاه يؤشر الي أن وحدة السدود تخطط لإقتلاع المناصير من حول البحيرة وتهجيرهم قسرياً خارجها ولأسباب غير مفهومة .

إنعدام الإلتقاء مع إدارة سد مروي بسبب عدم إعترافها باللجنة التنفيذية حتم إيجاد قناة جديدة ليتحدث اليها ويفاوضها المتأثرون حول حقوقهم في التعويض المجزي وإعادة التوطين في مواقع يرتضونها ويقبلون بها .

اتفاق قاعة الشارقة يونيو 2006م :

ارتفاع درجة الغليان في المنطقة المتأثرة ( أحداث واحة ساني في ديسمبر 2005م ) وما كادت أن تؤدي اليه من كارثة كبرى بين المتأثرين وقوات الشرطة المحيطة بهم عجل بوساطة الدكتور /الطيب محمد خير والقرار الجمهوري رقم (70) للعام 2006 ومن ثم اتفاق قاعة الشارقة في الاول من يونيو 2006م بنقل ملف قضية المناصير من إدارة سد مروي الي ولاية نهـر النيل حيث اصدر السيد/ الوالي قراراته وتوجيهاته التي أطّJرت لقيام معتمJدية للمتأثرين بولاية نهر النيل لتطلع بمهام إعادة التوطين والتهجير بديلاً لإدارة سد مروي .

للأسف الشديد تفشل ولاية نهر النيل في تنفيذ اتفاق قاعة الشارقة لينطبق عليها المثل الذي يقول ” الفقر ونقر السدر” وأول ما تفشل فيه هو عدم إيقافها لمشروع الفداء كما نص الاتفاق علي ذلك ، ومن ثم توالى مسلسل الفشل بعدم إجازة قانون معتمدية المتأثرين وإلى يومنا هذا ، كل ذلك كان مقروناً بإختراق وحدة السدود لولاية نهر النيل وزيارات أركان حربها المتكررة لمشروع المكابراب ومشروع الفداء والتقائهم كذلك بسلطات الولاية مع التراخي الفاضح من سلطات الولاية لتنفيذ الاتفاق وعدم حماسة السيد الوالي ونائبه بل التهرب أحياناً من مقابلة اللجنة التنفيذية .

ذلك الركود المقصود في تنفيذ اتفاق الشارقة كان من ورائه وحدة السدود ، علي أثر ذلك غضبت الجماهير وحدثت مظاهرات أبي حمد في 17/3/2007م بعد زيارة مدير وحدة السدود لمشروع الفداء وتصريحاته الاستفزازية. وأعقب ذلك أحداث الكربكان وإحتجاز قوات الشرطة بواسطة الأهالي واعتقال ستة من أعضاء مؤسسات المتأثرين المنتخبة بما فيهم نائب رئيس المجلس ونائب رئيس اللجنة التنفيذية كان ذلك في الاسبوع الأخير من مارس 2007م .

تحتقن المنطقة المتأثرة ولكن قبل إنفجارها يكون المجلس القيادي للمؤتمر الوطني لجنة برئاسة البروفسور / إبراهيم أحمد عمر لتطلع بملف المناصير ولتتحاور مع اللجنة التنفيذية للمتأثرين

اتفاق قاعة الصداقة وماهية القرار الجمهوري رقم (70) لسنة 2006م:

بعد لقاءات عدة وشد وجذب توصل الي إتفاق جديد وقعه السيد/ وزير المالية الإتحادي كضامن للإتفاق ووقعه كذلك السيد/ والي ولاية نهر النيل والسيد/ رئيس مجلس المتأثرين . وضع اتفاق الشارقة الأول برمته كأول بند من بنود الاتفاق الجديد . يؤمن أتفاق الشارقة علي ما يلي :-

أولاً : القرار الجمهوري رقم (70) لسنة 2006م الصادر من السيد/ رئيس الجمهورية مع استصحاب التفسير الصادر من رئاسة الجمهـــورية لمصطـلح ” الأراضي الناتجة ” عن بحيرة سد مروي يمثل المرجعية القانJونية في إشـراف معتمدية المتأثرين لولاية نهر النيل على كافة إجراءات ومراحل إحصاء المتأثرين بولاية نهر النيل وتعويضهم وترحيلهم والاشراف علي استقرارهم في مشاريع إعادة التوطين المحددة بنتائج الاستبيان الذي نفذ بواسطة الجهاز المركزي للإحصاء وتحت إشراف معتمدية المتأثرين في يونيو 2007م . أي ان الفقرة الأولى من القرار الجمهوري قد كلفت ولاية نهر النيل بتعويض المتأثرين الأراضي الناتجة سواء كانت لأغراض السكن أو الزراعة . أوضحت المادة (5) من قانون توطين وتعويض المتأثرين من قيام سد مروي لسنة 2002م اختصاصات المفوض . وتعتبر صلاحيات أصيلة للمفوض كما نصت علي ذلك الفقرة 2/ب من ذات القرار الجمهوري علي عمل الدراسات والمسوحات اللآزمة لتحديد مشاريع الخيارات المحلية لإعادة التوطين حول بحيرة سد مروي علي أن يقرأ منطوق الفقرة 2/ب مع التفسير الصادر من رئاسة الجمهورية لمطلح ( الاراضي الناتجة) . صلاحيات المدير التنفيذي لسد مروي يحددها نص المادة (4) من قانون سد مروي لسنة 2002م ، من ضمن تلك الصلاحيات تعيين المفوض . أي أن القرار الرئاسي قد فوض ولاية نهر النيل سلطات وصلاحيات المدير التنفيذي لسد مروي ومفوض الشئون الاجتماعية والبيئية الواردة بالمواد (4) و(5) كما فوضها علي كافة صلاحيات المفوض الواردة بالفصل الثالث من القانون المشار اليه في المواد من (6) حتى (15) والمتعلقة بإجراءات التعويض وتقسيم الأراضي وتوصيفها وكذلك صلاحياته وإختصاصاته الواردة بالفصل الرابع حول إجراءات إعادة التوطين وتحديد مواقع إعادة التوطين في المواد ( 16 – 17 – 18) من ذات القانون .

ثانياً : القرار الجمهوري رقم (70) لسنة (2007) صدر لتحقيق غرضين أساسيين :
(أ‌) إيجاد قناة جديدة لمعالجة قضايا المتأثرين بديلة لإدارة سد مروي حيث أنعدمت ومنذ البداية قنوات التعامل مع تلك الإدارة وذلك لرفضها المبدئي والثابت للإعتراف بمؤسسات المتأثرين المنتخبة وهي اللجنة التنفيذية ومجلس المتأثرين .

(ب‌) الإستجابة لتمسك الأكثرية من المواطنين بالتوطين حول بحيرة سد مروي بولاية نهر النيل وهو ما ترفضه تلك الإدارة جملة وتفصيلاً .

وعليه فالقرار الجهوري رقم (70) لسنة 2006م صدر إستناداً لنص المادة 58/1/م من دستور السودان الإنتقالي لسنة 2005م أي إختصاصات رئيس الجمهورية بموجب القانون ، أي قانون نزع الأراضي لسنة 1930م وكذلك صلاحياته بموجب المادة (1) من الفصل الثاني من قانون توطين وتعويض المتأثرين من قيام سد مروي لعام 2002م أي صلاحيات اللجنة السياسية العليا لسد مروي والتي سبق وقام بتعيينها بالقرار الجمهوري رقم (363) لسنة 2001م ، أي قبل حتى صدور قانون سد مروي للعام 2002م ، وأنه من الثابت في تفسير النصوص أن من يملك الأكثر يملك الأقل أي أنه يحق لرئيس الجمهورية أن يفوض كامل الصلاحيات الواردة بالمواد (2-3) من القانون أو أي جزء منها لأي من الأشخاص الذين يحددهم وكذلك استثناء أي مجموعة من المتأثرين من الخضوع لأحكام القانون ويسند هذا القول نص المادة (6/1) من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة سنة 1974م ” تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع من أجله ويفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض علي سواه ” وكذلك المادة (6/4) من القانون المشار اليه والتي تدعم الحق في الاستثناء من تطبيق القانون علماً بأن القرارات الصادرة بموجب المادة (58) من الدستور تعتبر قرارات سيادية ولا تخضع لرقابة القضاء .

ثالثاً : من كل ما تقدم نجد أن صلاحيات اللجنة السياسية العليا لخزان سد مروي والمدير التنفيذي والمفوض قد تم تفويضها بأكملها للسيد/ والي ولاية نهر النيل والتي تم تنزيلها بموجب قرار والي ولاية نهر النيل رقم (35) لسنة 2006م الي معتمدية المتأثرين بولاية نهر النيل ، وأن مراعاة أحكام اللآئحة المشار اليها في القرار الجمهوري رقم (70) لسنة 2006م تقتصر علي الأحكام الموضوعية التي تحدد قواعد التعويض وليست الأحكام الشكلية التي تحدد الأشخاص المناط بهم تنفيذ إجراءات التعويض والتوطين والتي تم حسمها بوضوح شديد في القرار رقم (70) لسنة 2006م وقصرها علي سلطات ولاية نهر النيل وذلك بالتكليف الصريح حسب ما هو وارد بمنطوق القرار .

رابعاً : اعترف اتفاق قاعة الصداقة وفي بنده الأول بقرارات والي ولاية نهر النيل ” اتفاق الشارقة ” وفي مقدمتها القرار (35) بإنشاء المعتمدية وإختصاصاتها والتي تشمل علي صلاحيات اللجنة السياسية العليا والمدير التنفيذي والمفوض والواردة بالمواد (1 – 4 – 5) من قانون سد مروي لسنة 2002م ، وعليه فإن سلطات الإشراف علي كافة اجراءات حصر المتاثرين وممتلكاتهم الثابتة ومغروساتهم وتعويضهم واعادة توطينهم يعتبر اختصاصا اصيلا لمجلس ادارة معتمدية توطين المتاثرين من قيام سد مروي بولاية نهر النيل وان يحل المعتمد محل المفوض فيما يتم تفويضه من صلاحيات مجلس الادارة .

مرة اخري يتفاءل المواطنون المتاثرون لان الاتفاق الجديد ضمن لهم :

1. السكن والخدمات بالخيارات المحلية .
2. التزام الحكومة ممثلة في وزير المالية الاتحادي بالاطلاع بعمل الدراسات الفنية لتنفيذ المشاريع الزراعية بالخيارات المحلية .
3. قيام معتمدية للمتاثرين المناصير بولاية نهر النيل موازية وبديلة لمفوضية الشئون الاجتماعية والبيئية بوحدة سد مروي وما كانت تقوم به من مهام .
4. ينفذ احصاء جديد لكل المتاثرين متي ما اطمانوا على قيام الخيارات المحلية حول البحيرة .
5. ضمانة الحكومة الاتحادية لاتفاق قاعة الصداقة وتنفيذه .

ما ان تم توقيع الاتفاق الجديد وبدات الجهات المعنية (معتمدية المتاثرين بولاية نهر النيل واللجنة الراعية للاتفاق برئاسة البروفسور ابراهيم احمد عمر) خطوات جادة لتنفيذ بعض بنود الاتفاق مثل اجراء الاستبيان لتحديد رغبات المتاثرين في خيار اعادة التوطين (70% من الاسر اختارت اعادة التوطين حول البحيرة) وتحديد وتخطيط مواقع السكن والخدمات في موقعي ام سرح وخور الحراز حتي جن جنون وحدة السدود وسعت بكل ما اوتيت من قوة لتغويض الاتفاق بادئة بمحاولة افشال عملية الاستبيان كمرحلة اولي حتي تصل في نهاية المطاف لاخلاء الاتفاق من جميع مضامينه ، تغـويض قيـام معتمدية المتاثرين

باحباط وتعطيل اجازة قانون المعتمدية في داخل المجلس التشريعي لولاية نهر النيل . هذا القانون لا يزال قابعاً في المجلس التشريعي لاكثر من عام .

تدعي وحدة السدود بان القرار الجمهوري رقم (70) لسنة 2006م لم يعط ولاية نهر النيل الا حق تقسيم الاراضي الناتجة عن بحيرة السد وان المهام الاساسية المتعلقة باعادة التوطين والتعويض ما زالت من اختصاصاتها . هل ياتري ان كل ما جري من احداث في المناصير وفي واحة ساني والتي كادت ان تعصف بامن البلاد وهل يا تري ان كل تلك اللجان التي كونت للوساطة وفي مقدمتها لجنة د. الطيب محمد خير ، هل الهدف من كل ذلك الحراك تقسيم عدد من الافدنة قلت او كثرت بين المواطنين ؟! الا يمكن الاتفاق بين وحدة السدود وولاية نهر النيل دون الحوجة لصدور قرار جمهوري ؟ ام ان الامر فعلا من الضخامة والخطورة بمكان حيث لا يقبل ذلك التفسير الساذج للقرار الجمهوري رقم (70) وان مرامي واهداف القرار هي اكبر بكثير من ذلك وهي بالتحديد احداث نقلة نوعية في الية التعامل مع المتاثرين وبالتحديد كما ذكرنا انفا خلق جسم جديد بولاية نهر النيل ليطلع بمهام التعويض واعادة التوطين في استقلالية تامة عن ادارة سد مروي ؟

واذا ما تركنا جانبا السؤال عن من صاغ مفردات القرار الجمهوري رقم (70) لسنة 2006م وماذا كانت مقاصده الحقيقية من وراء ذلك القرار ؟ وهل هو قرار لانفراج ازمة مستعصية ام هو قرار ظاهره الرحمة وفي داخله العذاب والخديعة والمكر ؟ اذا ما تركنا كل ذلك وافترضنا جدلا صحة ما ذهبت اليه وحدة السدود من ذلك التفسير الساذج للقرار ، فلماذا اذن لم تعلن ومنذ اليوم الاول لتوقيع اتفاق الشارقة في الاول من يونيو 2006م مرورا بتلك الفترات العصيبة في المناصير وفي ابو حمد وفي الكربكان – وما سادها من اضطرابات كادت ان تدخل منطقة المناصير بل السودان باكمله في نفق ضيق – وحتي توقيع الاتفاق الثاني في مايو 2007م بقاعة الصداقة ، لماذا لم تعلن وحدة السدود تفسيرها ذلك الساذج الذي لا يعقله حتي راعي الغنم في هضاب ووديان عتمور المناصير ؟ !

لماذا انتظرت كل هذه المدة الطويلة لتاتي وتقول وتتصرف في غيـر اكتــراث لاتفاق وقعته الحكومة مع المتاثرين ؟ يحدث ذلك في الوقت الذي لاحت فيه بوادر تنفيذ الاتفاق وسط اجماع وتفاؤل من الراي العام السوداني بان قضية المناصير في طريقها للحل .

ان تفجير وحدة السدود لهذه القنبلة العنقودية وفي هذا الوقت بالذات وجسم السد على وشك الاكتمال وقضايا المناصير اجمالا ابعد ما تكون عن الحلول يكشف عن النية المبيتة سلفا للمكر والخديعة وتخدير المواطنين لاكتساب الزمن لوضع المتاثرين امام امر واقع ينعدم فيه هامش المناورة : فاما الماء واما الصحراء .

انه رغم الخروقات الواضحة في تنفيذ بعض البنود الاساسية في الاتفاق الاخير مثل عدم اجازة قانون معتمدية المتاثرين وعدم ايقاف مشروع الفدا الصحراوي مقرونا بالبطء الشديد في تنفيذ بنود اخري مثل الخيارات المحلية والخدمات ، رغم كل ذلك فان المتاثرين المناصير يتمسكون بقوة بذلك الاتفاق ويدفعون بقوة ايضا في اكمال تنفيذ كل ما هو ايجابي فيه ومقاومة التنصل من أي بند من بنوده .

احصاء 1999م وعدم شرعيته وسلبياته :

ولعل القشة التي قصمت ظهر البعير واعادة القضية الي مربع التازم هي اعلان وحدة السدود اخضاعها للمناصير لما يسمي باحصاء 1999م رغم علمها التام برفض المناصير له لاسباب موضوعية نذكرها فيما يلي :

1/ لم يكن احصاء علمياً دقيقاً بل اقرب الي المسح الاولي لتقدير ميزانية اعادة توطين وتعويض المتاثرين – وبالتالي فهو ليس احصاء ليكون مرجعية للتهجير . يضاف الي ذلك ان الية تنفيذه لم تكن محكمة ولا احد يملك في يده مستندا او وثيقة رسمية توضح تفاصيل مغروساته وممتلكاته وبالتالي فان المعلومات المدونة من ذلك المسح يمكن تغييرها وتبديلها من طرف وحدة السدود في أي وقت شاءت دون استطاعة الطرف الثاني الدفع ببطلانها .

2/ مضت على احصاء 1999م ثمانية اعوام بكاملها مما يقدح في قانونيته اضافة الي ما طرأ في هذه السنين من تغيير في كثير من المعطيات :

أ. اشجار النخيل غير المثمرة في ذلك الوقت تكون قد اثمرت وبالتالي تغيرت فئة تعويضها من 68 جنيها الي 500 جنيه .
ب. الاشجار التي زرعت في الثلاث اعوام التالية تكون قد اثمرت وبالتالي تغيرت فئة تعويضها الي 500 جنيه .
ج. ما زرع بعد ذلك يكون في عداد غير المثمر وبالتالي تكون فئة تعويضه قد تغيرت من 4 جنيهات الي 68 جنيه .
د. زيادة كبيرة ومركبة في عدد فسائل النخيل .
هـ. ازدهار عملية البستنة في العقد الاخير قد ادت الي ان اعدادا كبيرة من اشجار النخيل قد تكون اضعاف اضعاف ما كان موجودا حتي العام 1999م قد زرعت بعد العام 1999م .

3/ حدثت زيادة كبيرة في عدد الاسر وهو ما اظهره استبيان يونيو 2007م حيث بلغ عدد الاسر اكثر من (20) الف اسرة في حين ان عدد الاسر المشمول في ما يسمي باحصاء 1999م لا يتعدي الثمانية الف اسرة .

4/ هنالك زيادة كبيرة في عدد المنازل المشيدة وذلك امر طبيعي يتناسب طردياً مع زيادة عدد الاسر وما استجد من تزاوج .

5/ لم يتضمن احصاء 1999م أي معلومات عن المغروسات الاخري عدا اشجار النخيل والفاكهة مثل البرسيم ، الخضروات والمزروعات الاخري وهي مزروعات سنوية يتم حصرها في اشهر التهجير .

6/ في الحامداب وامري نفذ احصاء جديد وبشفافية ومباشرة قبل التهجير ولم يعمل باحصاء 1999 لتعويض الاهالي مما يدل على ان وحدة السدود لم تضع في الحسبان ومن اصله احصاء 1999 كمرجعية للتعويض .

7/ وحدة السدود حاولت في الثلاث اشهر الماضية اجراء احصاء جديد بمنطقة المناصير رفضه المتاثرون ليس من حيث المبدأ ولكن من حيث توقيته اذ ان الاتفاقية الاخيرة تشير الي عمل احصاء جديد ولكن بعد ان يطمئن المتاثرون على قيام الخيارات المحلية في المواقع الـ 6 حول البحيرة .

8/ قانون سد مروي نفسه للعام 2002م يشير الي وجوب قيام احصاء جديد للمتاثرين وممتلكاتهم .

ان تحدي وحدة السدود لبنود الاتفـاقية وقيامـها بنشر كشوفات باحصاء 1999 وفتحها مكاتبا للصرف والاستئنافات واغرائها لبعض المواطنين بصرف اموال معظمهم لا يستحقها اصلا طمعاً واغراءً لاخرين للسير في طريق الاستئناف والصرف .. القصد من كل ذلك كسر واضمحلال وحدة المتاثرين راس حربتهم في ذلك قلة من محسوبيهم وسط المتاثرين .ان فرض ما يسمي باحصاء 1999م يتسبب في مضار كثيرة للمتاثرين منها :

أ. يفقد الجميع حقهم في ما زرعوا من نخيل خلال الاعوام التي تلت العام 1999م .
ب. يحرم الاسر التي تكونت فيما بعد الاحصاء من حقوقها المشروعة .
ج. يحرم الذين شيدوا منازلهم بعد الاحصاء من حقهم في الحصول على منازل في مناطق التهجير .
د. يفقد الجميع حقهم في تعويض المزروعات .

تمهيداً لفرض ما يسمي باحصاء 1999 كثف اعلام السد بادئ ذي بدء على ما ادعاه من اغراق المنطقة في اغسطس 2007م خاصة ما بين ” برتي ” والكربكان في شمال المناصير مقرونا مع احتمال اغراق المنطقة باكملها من برتي شمالا الي ام سفاية” جنوبا وان عدم احصاء المنطقة قبل اغسطس 2007م سوف يؤدي الي اغراق ممتلكات ومغروسات المواطنين وبالتالي الي ضياع حقوقهم . نحن في اللجنة التنفيذية وبما لدينا من معطيات كنا متيقنين بان اغراق المنطقة كليا او جزئيا في اغسطس 2007م غير وارد اطلاقا. وعندما مضي شهر اغسطس واتضح بطلان تلك الفرية ركنت وحدة السدود للترويج بانه لا احصاء البتة بعد احصاء 1999 وان من لا يتجاوب مع احصاء 1999 فسوف يفقد حقوقه كلها . بل انهم ذهبوا الي ابعد من ذلك واعلنوا خلو طرفهم من اية مسئولية تجاه المتاثرين وحقوقهم بعد مايو 2008م وانهم يريدون المنطقة خالية تماما من سكانها. اليس هذا هو عين ما يعنيه مدير وحدة السدود بقوله : ان المياه كفيلة بهم وبمعالجة الوضع ؟ او كما قال في موضع اخر : سنخرجهم من منازلهم كما تخرج المياه الفئران من اجحارها؟

كل ذلك قد اثار حفيظة المتاثرين وادي الي الاحتقان الذي يسود المناصـير حالياً والذي نحمل ما قد يترتب عليه لا سمح الله كاملا للحكومة الاتحادية وحكومة ولاية نهر النيل لازدواجية تناولهما لقضية المتاثرين وهما الجهتان الموقعتان على اتفاق قاعة الصداقة .

ان الاتفاق مع المتاثرين على شئ وغض الطرف عن ما تقوم به وحدة السدود بل اعطائها الضوء الاخضر – وهي جهة حكومية – بفعل شئ اخر ينسف اتفاقها مع المتاثرين من اساسه بل يفتح الباب على مصراعيه للتشكك في مصداقية الحكومة تجاه الاتفاقية الجديدة التي وقعت عليها وان هدف هذه الاتفاقية قد لا يختلف كثيرا عن سابقتها باعتبارها تخديرا للمواطنين لافساح مزيد من كسب الوقت لوحدة السدود لتمضي قدما فيما تريد ان تفعل بالمتاثرين هضما لتعويضاتهم وتهجيراً قسرياً بطريقة مباشرة او غير مباشرة الي ما لا يريدون ان يعاد توطينهم فيه من المواقع . فان نجحت وحدة السدود في هدفها فذلك ما يبغي القوم او فالنقل ذلك ما يبغي القطاع القوي المتنفذ والداعم لوحدة السدود . اما ان فشلت وحدة السدود فعندها لكل حدث حديث ولكل مقام مقال . لا يهم بالطبع أي اساليب تتخذها وحدة السدود واي طرق تسلكها طالما ان هدفها النهائي هو روما .. ارض المناصير !!

ارسال الشرطة الي منطقة المناصير :

ان استجابة الحكومة لردود الافعال دون معالجة المشكلة الاساسية واقتلاعها من جذورها لا يخدم الحل الايجابي للقضية في شئ بل بالتاكيد سوف يؤججها، ان ارسال مئات من الجنود الي منطقة المناصير حماية وتامينا لقلة من الافراد خرجت عن اجماع اهلها وناصبتهم العداء منذ سنين عددا يوسع من هوة عدم الثقة والتي نجحت ادارة سد مروي في بنائها لبنة لبنة منذ اواخر التسعينات من القرن الماضي عندما نجحت في تفتيت وحدة المتاثرين الكبرى . ان هذه القلة ورغما عن انحيازها الكامل لوحدة السدود وتحديها العلني للمتاثرين وصرفها لاستحقاقاتها كاملة حسب ما يسمي باحصاء 1999 بما في ذلك قيمة الترحيل والاعاشة مع استلامهم لمفاتيح منازلهم لم يطلب منهم المواطنون سوي ان يغادروا الي موطنهم الجديد بدل البقاء في المنطقة المتاثرة – ووسط مجتمع بات يرفضهم كما يرفض الجسم ما يزرع فيه من اجسام غريبة – لينشروا الفتنة والاشاعات ويخذلوا الافراد ويهدموا وحدة السواد الاعظم من المتاثرين ، متخذين من وجود الشرطة المكثف في المنطقة وسيلة لاستفزاز الناس ولسان حالهم يقول : موتوا بغيظكم ، لقد صرفنا استحقاقاتنا كيداً لكم وها هي الحكومة ترسل الجنود لحمايتنا غصباًَ عنكم . ماذا تتوقع الحكومة من السواد الاعظم من المواطنين ان يفعلوا بعد ن ينفد حبل صبرهم ؟ ذلك خاصة بعد البلاغات الكيدية المتلاحقة التي اخذت هذه القلة في فتحها عشوائيا ودون اثبات في عيون اهل المنطقة بحجة ان المواطنين قد دمروا منازلهم . في حين ان ما حدث لا يعدو في حقيقة الامر ان يتجاوز افرادا في عدد اصابع اليدين وان ما حدث من تدمير كان محدودا جدا ورمزيا ولم يقم به الا الشباب المغتاظ ولم يوجه الا الي رموز وقواد هذه القلة الذين نشطوا طيلة السنين الماضية في تغويض وهدم قضية اهلهم . اليس من الاجدى والاحكم والانفع ان توظف قوات الشرطة لحث هذه القلة علي الرحيل الي مناطقهم الجديدة ؟ انهم يريدون البقاء اطول مدة ممكنة لنشر الفتنة وتخذيل الناس مدفوعين من جهات بعينها للعب هذه الادوار .

ما هو المخرج من الازمة :
ان نزع فتيل الازمة ينبني على عنصرين اثنين :

1. تنفيذ الاتفاق الاخير (اتفاق قاعة الصداقة) نصاً وروحاً وذلك بابعاد وحدة السدود عن شان المناصير وقطع شعرة معاوية المتمثلة في مشروعي المكابراب والفدا بتسليمهما الي ولاية نهر النيل ومعتمدية المتاثرين حال فراغ وحدة السدود من اكمال تنفيذها .

2. الغاء ما يسمي باحصاء 1999م وقفل مكاتب الصرف والاستئنافات – وبالتالي سحب الجنود المنتشرين بالمناصير – مع التسريع بقيام الخيارات المحلية والخدمات ليتسني قيام احصاء جديد يعطي كل ذي حق حقه الصحيح العادل .

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

ملحوظة :

المعلومات القانونية المضمنة في هذا التقرير ماخوذة من مذكرات عدة كتبها المستشار القانوني لمجلس المتاثرين الاستاذ / جعفر عبد الواحد المحامي

المصدر
مدونة "العدوان على السودان"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق