الجمعة، 25 نوفمبر 2016

صديقي باقراب كيف اصبح مقاتلا

عشرة اعوام مرت ! هل جف دمعك يا أماه

لا أريد ان افسد علي المتفائلين بايامي القادمة، او الحالية التي اتلكأ فيها لاحتضار ساعاتها ودقائقها، غروب شمسها وشروقها، اغبرتها وصفاءها، (مارك زوكربيرج) عبر الية التواصل الفيسبوك سيعلن بعد غد بانه عيد ميلادي الواحد وثلاثين، وسيحشد اصدقائي كل حروف الحفاوة، لتجيش دواخلهم بالامنيات الطيبات لباقي حياتي، ويكيلون الدعوات لي بعام طيب يمر علي.
نعم اصدقائي اقدر موقفكم تجاهي، لكن هناك من حول يوم ميلادي الي ذكري مؤلمة، ظللت اتذكرها وعيني تجود بالدمع السخين يزيل عني ما اكمنه في داخلي، لذلك اترك القلم قليلا ليحكي:
 يحكي لي انه في نهار 25/4 من احد سنوات الثمانينيات وكان اليوم يصادف "عيد شم النسيم" وحينها والدتي حبلي بي تعتصر الالم لتعلن عن ميلادي، بعد افتقادها لطفلها الاول، وحينها كان السودان ينعم في سلام بين شماله وجنوبه بعد اتفاقية اديس ابابا 72م قبل ان يتسلط عليها الاسلاميين وافراز مكنوناتهم البغيضة واعلان حرب جديدة بعد قرار قوانين سبتمبر التي اومأ بها عراب الانقاذ الترابي.
عم الفرح الديار، وحينها والدي يعمل موظفاً في مشروع الرهد الزراعي الذي اسسه نميري في عام 75م وكان احد مؤيديه ككثير من ابناء الشعب السوداني الذين لم يستطيعوا التاقلم مع الحكومات الديمقراطية، خاصة بعد توقيع اتفاقية اديس ابابا  التي كان لها الدور الاكبر في الاستقطاب والانضمام للاتحاد الاشتراكي.

جئت الي هذه الدنيا وترعرت ولم اجد نفسي اني احتفل بعيد ميلادي كما يقوم به من حولي، حتي انني اعتبره عيباً او بدعة ً، هذا غير اني لا اجد من يهتم بعيد ميلادي في ذلك الزمان، ولا تعتريني غيرة مما يحدث حولي من  حفلات الميلاد "بارتيات".

اتت الاحزاب بعد انتفاضة 85م ولم ادرك عنهم شيئاً، لانني غائب عن الوعي تماماً، وفي ليلة غير عادية من ليالي يونيو وتحديدا في يوم 29/يونيو/89م كنت في حفل زفاف احدي بنات رفيق والدي (المشروع الزراعي + الاتحاد الاشتراكي)- عرفت هذا لاحقاً – سمعتهم يتحدثون عن نبأ انقلاب عسكري حل علي البلاد وهروب الصادق المهدي ام اعتقاله، لا ادري، كاد دماغي ينفجر من عدم فهم معني "انقلاب عسكري"، وكل ما احاول ان اربط الاشياء لا اجد شيئاً، وكنت أري فرحتهم العارمة حول هذا الانقلاب ـ وكنت اردد في نفسي – طالما ان والدي تنتابه الفرحة فهذا جيد وقد يأتي بالفائدة، واظهرفرحته صبيحة اليوم التالي عندما ذهبنا الي السوق لشراء بعض حاجات الاسبوع – كان اليوم جمعة – حينما انغمس وذاب في مسيرات الفرح، وتركني احمل الاغراض لوحدي الي البيت، ولكن اصابتني الدهشة بعد سنين عددا حينما سمعته يتحدث بضيق عن الحكومة والجبهة القومية الاسلامية، بدت لي الصورة في الظهور وعرفت ان وراء ذاك الانقلاب مجموعه اخري وانهم بدأوا في أفساد البلد واكتشفت انهم من سنوا القوانين التي اعادت الحرب مرة اخري ليصلوا الي مبتغاهم عبر السلاح. وظل يتحدث عن المعارضة وانجازاتها وكأنه معهم في ساحات النزال، ولم ادرك حينها من اين ياتي بهذه المعلومات التي كنت استمتع بالسماع لها، وكذلك التحليلات السياسية الصريحة وحينها انا طالب في المرحلة الابتدائية، كما كنت كثيراً ما استيقظ مبكراً في الصباح وهو غير موجود بيننا وكانت اجابة والدتي انه ذهب الي العمل باكراً، ولكني اكتشف  غير ذلك فور عودتي من المدرسة عند الظهيرة وانتظار عودته الي البيت، بعد الحاحي بالسؤال عنه اجد الاجابه انه في مكاتب الامن، حينها ادركت ان نقاشاته هذه تصل الي جهاز الامن، وبشكل صريح ان هؤلاء العصبة تغلغلوا في المجتمع لافساده وافساد مؤسسات الدولة.

تشكلت لي في ذهنيتي كل يوم يمر بان هذه الحكومة ظالمة وجبارة، وتبينت لي اكثر عندما سمعت نبأ اعتقال صديق والدي- مقام ابي – ونقله الي سجن كوبر بزعم انتمائه الي الحزب الشيوعي، وقضي فيها عاماً كامل من العزله عن ابناءه، وفرحت كثيراً بنبأ إطلاق سراحه كما ابي الذي اقام مسيرة فرح لوحده واقفاً علي "كابينة العربة" وهي تجوب به في شوارع المنطقة مهللاً ومكبراً بمقدم صديقه العزيز، عندها ايقنت ان لي معركة ساخوضها ضد هؤلاء الطغاة وقد تطول، وبعدها اصبحت استمع الي اذاعات المعارضة وكانت حينها "اذاعة التجمع الوطني الديمقراطي" واذاعة "صوت الحرية والتجديد – قوات التحالف السودانية" وكنت استمتع بها وهي تغوص في تفاصيل الفساد داخل الحكومة وكذلك الاغاني الثورية، وكنت اسمعها علي فترتين صباحية ومسائية، لدرجة انني كنت احرك مؤشر الراديو الي الموجة الخاصة بالاذاعتين عند حلول زمن البث، وكان ما يثير دهشتي وتساؤلاتي حول مراسل صوت الحرية والتجديد الذي يطلق له كنية "المقاتل" قبل اسمه، تكمن دهشتي كيف لمقاتل بالمعني القريب ان يكون في قلب الخرطوم، وهل داخل الخرطوم معركة عسكرية؟ هذه التساؤلات نتجت من تصوري للانقلاب العسكري.

اكتملت الصورة تماماً عندما دخلت الجامعة ورايت الصورة المصغرة لهؤلاء العصبة التي تحكم السودان، ووجدت جل الممارسات التي كانت غائبة عني عدا الاعتقالات التي كانت حاضرة بيننا وفي داخل اسوار المنزل متمثلة في والدي وصديقه. مرت الايام وظلت الانقاذ تمارس فعلتها الضغينه علي ابناء شعب السودان بالحملات التجيشيه والجهادية ضد ابناء الجنوب ومن بعده بدأت ذات الحملات ضد ابناء دارفور، وكذلك سياسات التمكين بتشريد العمال والموظفين خاصة غير الموالين لها، وقامت الحكومة بتشريد 743 موظف وعامل من المشروع دفعة واحدة، وكان احد الضحايا هو والدي وصديقه واشرفاء اخرون افنوا شبابهم لانشاء المشروع ،الشي الذي اكد لي ان هناك من كان يتغوص عليه وينقل المعلومات الي الاجهزة الامنية – ظهر لاحقاً – تقاعد والدي الي المعاش الاجباري ومارست عليه الانقاذ اسلوب سلب الحقوق بعدم ايفاءها حقه كاملا التي نصت عليها قوانين الخدمة المدنية التي اعلم انه يحفظها علي ظهر القلب، وشرعوا في تنفيذ اساليبهم القذره تجاهه بسبب تحركاته مع زملائه لنيل حقوقهم، بعدها طلبوا منه اخلاء المنزل الذي نعيش فيه في ظرف يومين فقط بجواب ممهور بختم وتوقيع وكيل النيابة ومدير عام المشروع، وكان رده الرفض البات  لأمر الاخلاء بدعوي عدم استلام حقوقه كاملة وكان مصيره الاعتقال بالزج به في كابينة العربة الخلفية والتجول به في شوارع المدينة علي مرأ ومسمع المواطنين كرسالة الي كل من يتعنت ويخالف سياسات الحكومة بان هذا هو المصير، لم يفلح خبثهم في كسر شوكته واصراره علي نيل حقوقه، الشي الذي دعي النيابة عبر وكيلها إرسال قوي شرطية قوامها 11 فرد في يوم (25/4/2004م) بكامل عتادها هجمت علي المنزل وافرغت كل الاغراض التي تخصنا الي الميدان الذي يقع امام المنزل ومن ثم تسمير الابواب الخشبية بواسطه النجار الذي يعمل مع والدي في ادارة واحدة، ومن ثم وضع الشمع الاحمر.

لم يكن لدينا مكان يأوينا، ولم تكن لدينا قدرة لامتلاك منزل نعيش فيه، او كان اعتمادنا الاكبر علي حقوق المعاش التي نتحصل عليها بعد شغل بلغ 29 عاماً، أفني فيه شبابه، وقدم جل طاقته لايفاء الغرض من قيام المشروع الزراعي وهو الاكتفاء الذاتي..

توزعوا اخوتي وامي علي جيراننا وتكفل هو بان يحرس الاغراض، وبات في العراء يفترش الارض ويلتحف السماء وكان  كثيراً ما يلحظ اثناء الليل عربات جهاز الامن وهي تتجول بالقرب منه.

توالت هذه الاحداث وانا طالباً في جامعة البحر الاحمر ومعي اعزاء اتقاسم معهم هموم الوطن وكنا بصدد انجاز اتحاد وطن 1 فيها، وقد حدث فعلا انجاز الاتحاد في يوم 27/4/2004م عاد الي جزء من الامال التي اود تحقيقها وهي تفتيت هذا النظام وحل كل اجهزته هنا في الداخل عبر النضال السلمي المستمر علي ان يتكفل "التجمع الوطني" بالانتفاضة الشعبية المسلحة لاستلام السلطة، وهناك اسرتي  بدأت معاناتها مع فصول ايجار منزل يأويهم، وايجاد عمل يغطي ويلات السوق الحر؛ تارة نسكن في منزل ىيل للسقوط سقفه يتهاوي، وتارة اخري نسكن في صالون مساحته 6x   4 مترا.

مرت الايام والسنين علي هذا الحال بين ضنك المعيشة والايواء غير المريح، بالاضافة الي المضايقات التي تعاني منها الاسرة بتضييق فرص العمل، الي ان حان يوم 25/4 من عام 2008م، الذي اخترناه خصيصاً كرد لهؤلاء الطغاة والجناة الذين قامو "بطرد" اسرتي في نفس اليوم من عام 2004م، وفيه فارقنا الترحال بين منازل الايجار، بعد ان امتلكنا قطعة ارض في نفس المنطقة وقمنا ببناء غرفة واحدة، هذا ما توفر الينا من مال، حينها لم يعد يهمنا عدد غرفه او به منافع ام لا ، او به سور، بقدر حتمية الرد علي هؤلاء الجناة بان الله فقط هو الرازق لا غيره وفي نفس اليوم قبل اربعة سنوات، بالرغم من انه كانت به غرفة واحدة، وسور ثلاثة جوانب، بعد ان من علينا الله بقطعة "ناصية" لها جوارها يسكنوها، رحلنا اليه ولم يكن لدينا سور غير قطع "زنك" استلفناها من عزيز لدينا تعاد اليه بعد الفراغ منها، وهذا بعد جهود مضنيه صاحبها كثير من المصاعب والظروف القاهرة. 
الان مرت عشرة سنوات من تلك الحادثة البغيضة، والان ابطالها موجودين داخل الدولة السودان يتمتعون بالاثمان التي قبضوها جراء هذه الفعلة، بدءاً من نقل الاقوال الي الاجهزة الامنية، مروراً بالذين نفذوا الحادثة، انتهاءا بالملاحقين الذين اوقفوا اجراءات منازل الاسكان الشعبي، بعد ان منحتنا اللجنة الدرجات الكافية للمنافسه في القرعة، وعند السحب تفاجأنا بقرار يتم فيه ابعادنا من الدخول في القرعة بسبب ان معلومات الاستمارة قديمة، رغما عن ان بيروقراطية الاجراءات عندهم هي التي اخرت موعد سحبنا !!
لا ادري كيف حال اخوتي وامي وابي، مع هذه الاحداث بعد مرور عشرة سنوات من وقوعها، اكيد يتذكرونها كانها جرت احداثها بالامس.

 لذلك اصدقائي اعذروني لم اعد اعرف عيد ميلادي ولم اتذكره الا في اطار هذه الاحداث التي سردتها..
كما اقدر مشاعركم تجاهي..

تلك احداث جرت في منطقه ليست بها حروب، كيف حال اهلنا في جنوب النيل الازرق، دارفور وجبال النوبة إذن؟ سؤال ليس للاجابة، إنما للتأمل في بغاضة هذا النظام..

 لكم مودتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق